د. هزاع عبد العزيز المجالي
في ظل الانتشار الملفت للجماعات والميلشيات الدينية المتطرفة في العقدين الأخيرين, وما نجم عن ذلك من فوضى وصراع فكري, استطاعت تلك الجماعات أن تُلبس نفسها ثوب المدافع عن الإسلام فكرياً ومسلكياً, فقامت بتكفير كل من يعارضها. وللأسف تمكنت تلك الجماعات ولأسباب كثيرة لا يتسع المقام للحديث عنها, من التمدد جغرافيا في بعض البلدان العربية والإسلامية مستغلة التركيبة العرقية والدينية في تلك المجتمعات, ورغبتها بالتغيير بسبب المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها. والأخطر هو استغلال بعض القوى الدولية والإقليمية لهذه الجماعات والميلشيات, كأداة نفوذ وتمكنت من التمدد والهيمنة على تلك الدول, كما يحصل الآن في لبنان, سوريا, العراق، اليمن و ليبيا, بل وامتد نفوذها في كثير من الدول في آسيا وإفريقيا, فأصبح لها ميلشيات ثورية راديكالية مسلحة, دخلت في صراعات نفوذ مع الدول القوية مثل: أميركا وفرنسا وبريطانيا.
لقد تمكنت تلك الجماعات المتطرفة باستخدامها وسائل تكنولوجيا المعلومات والتواصل الإلكتروني والإعلامي المتاح من التمدد الفكري التكفيري, وتشويه صورة الإسلام, وإقناع الكثير من المواطنين والمقيمين من الجاليات المسلمة في الدول الغربية بنهجها المتطرف واستغلالها للمهاجرين المسلمين, للقيام بعمليات قتل إرهابية في تلك الدول, فكانت النتيجة تشكيل صورة نمطية وقناعة مسبقة سيئة لدى كثير من مواطني تلك الدول, بأن الإرهاب يعني الإسلام, فأصبح مصطلح (الإرهاب الإسلامي) الأكثر شيوعاً وتداولاً على لسان الاعلام والناس هناك. لقد استغلت الأحزاب السياسية والجماعات اليمينية المتطرفة في تلك الدول, هذه الحالة للترويج للأفكار المعادية للإسلام باعتباره دينا يحارب كافة القيم الإنسانية والعلمانية والحريات التي تعتبر القيم الجوهرية التي بنيت عليها الحضارة الغربية.
لقد أصبحنا نرى ونسمع بين الحين والآخر في بعض الدول الغربية, إستغلال البعض من كارهي الإسلام, لهذا الواقع المؤلم بغطاء قيم حرية الرأي للإساءة للدين الإسلامي ورسولنا الكريم, كما حصل في فرنسا في الآونة الأخيرة, وما صدر عن رئيسها ماكرون من تصريح اعتبر إساءة للدين الإسلامي, مما أدى إلى ردود فعل غاضبة في العالم العربي والإسلامي.
إن المتتبع لجميع وسائل الإعلام في الغرب, لا بد أن يلاحظ أن هناك تشويها للإسلام وبالمقابل فراغاً وصمتاً رسمياً وإعلامياً إسلامياً لتوضيح صورة الإسلام الحقة, فكانت مبادرة جلالة الملك عام2004، بعد عصف ذهني ولقاءات مع العلماء والفقهاء المختصين في كثير من الدول الإسلامية نتج عنها إصدار وثيقة (رسالة عمان)، غايتها إيضاح ما هو الإسلام الحقيقي للعالم، وتنقيته من كافة الشوائب والأفكار المتطرفة، التي تسيء للدين الحنيف ونبينا الكريم. ولقد حظيت رسالة عمان بتأييد منقطع النظير من قبل كثير من المراجع الدينية والعلماء في الدول الإسلامية. ومن هنا يجب القول أن على المعنيين في الشأن الديني على مستوى العالم العربي والإسلامي تبني رسالة عمان كوسيلة أساسية في الإعلام واللقاءات مع الغرب، للتعبير عن ماهية الإسلام بمعناه الحقيقي. وكلنا شاهدنا مدى الإعجاب والذهول الذي لقيه خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي، الذي تحدث فيه عن القيم السامية الصحيحة للإسلام.